بسم الله.الرحمن.الرحيم
الحمد لله. رب.العالمين والصلاة والسلام على أشرف. الأنبياء والمرسلين وبعد:
السلام.عليكم ورحمة.الله وبركاته
على ضوء الحرف التقليدية الفنية أضع بين أيديكم هذا الموضوع وأرجو أن ينال إعجابكم
فــنّ النّقـش..مِن قديم تفرّدت ـ سُوفُ
٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨بقلم بشير خلف
فنّ النقش من الفنون القديمة، لكن بروزه أكثر كفنّ يهدف إلى التجميل، وإضفاء الجمال على العمارة، والصناعات الحرفية؛ تجلّى أكثر إلاّ من خلال الحضارة الإسلامية كفنٍّ راقٍ من فنون الفن الإسلاميّ، وبالرغم من المستوى العالي الذي بلغته اليوم الصناعات والتي كانت طوال عهود طويلة، وحتّى وقتٍ قريبٍ مصدرُها الحرف اليدوية، إلاّ أن النقش لا يزال يحتلّ مكانة رائدة في كل بلدان العالم كحرفة جمالية وفنّية راقية تدعّم السياحة بنتاجات تساهم في إبراز شخصية الأمة وهويتها، والحفاظ على هذه الهوية من ناحية، والمساهمة في الدخل الوطني من ناحية أخرى .
ولئن كان الفنان المبدع الذي يتعامل مع فن النقش في العديد من الموادّ كالذهب والفضّة، والنحاس ، والزّجاج، وحتّى البيض والبذور؛ إلاّ أن النقش على الجبس يبقى في الصدارة لارتباطه بالعمارة، وخاصة العمارة الإسلامية، فقد لازمها ورافقها ولا يزال؛ وقد أصبح الطلب عليه أكثر أخيرا حتّى من طرف الأفراد الأثرياء في إصباغ جماليات على قصورهم ، ودُورهم ، وفيلاتهم .
فنٌّ صعْب التشكيل
إن النقش على الجبس ليس بالأمر السّهل كما هو الحال في فنّ النّحت .. فإذا كان هذا الأخير يتطلّب القوّة العضلية، والصّبر، والثقافة المعرفية الواسعة، فإن فنّ النقش يتطلّب إضافة إلى ما سبق الكثير من قوّة الملاحظة، والتأمّل، والدقّة، والحكمة، والإلمام بقواعد الرياضيات والهندسة بصفة خاصّة، والإلمام أيضا بالزخرفة، وفنيات الحفْر على الجبس ..ومعرفة خصائص هذه المادة من حيث الاستعمال، والتشكيل، وتأثير الحرارة والبرودة عليها؛ لأن كما هو معروف أن الحرارة المرتفعة تُعيق استعمالها، وتُفقدها مرونتها التي بواسطتها يسهل التشكيل، ويتيسّر الحفّر..وبالتالي أنّ من يتعامل مع هذا الفنّ يُفترض أن يكون أخصّائيا فيه، فهو الوحيد الذي يملك القدرة على تنسيق الأشكال الهندسية الدائرية، والأشكال ذات الزوايا المنفرجة والحادّة ، والأشكال التي تجمع هذه أو تلك أو غيرها .
عمر قاقة الرائد الأول
لصعوبة ممارسة هذا الفنّ فقد قلّ محترفوه حتّى وقتٍ قريبٍ ببلادنا، غير أن فروعا له فُتحت في السنوات الأخيرة بمراكز التكوين المهني بولايات الجنوب الجزائري التي تُنتج بها مادّة الجبس، وتستعمل بكثرة في العمارة، سواء بالمساجد، أو البيوتات الخاصّة خاصة بولاية الوادي.
يجب التذكير هنا أن مدينة قمار بولاية الوادي كانت رائدة في فنّ النقش على الجبس منذ الأربعينات من القرن الماضي، حيث كان المرحوم عمر قاقة الرائد الأول، ونتيجة لذلك ذاعت شهرته ممّا استعانت به السلطات الاستعمارية في نقْش القبّة الكبيرة لقاعة البريد المركزي بالجزائر العاصمة ، وقاعات قصر الشعب، ولا يزال هذا الأثر الفنّي إلى يومنا هذا صامدا، وشاهدا على عبقرية هذا الرجل، الذي أبهر أشهر المهندسين المعماريين الفرنسيين آنذاك لعبقريته، وبساطة الوسائل التي كان يستعملها، والتي لا تزيد عن توظيف أجزاء برنوسه الذي يلبسه ليحدّد مقاسات الأقواس، وأجزاء القبّة، وتشكيلات النقش الهندسية .
عبقريّة جلبت له الاحترام والتقدير والتكريمات التي نـالها وفْق التالي :
1 ـ ميدالية الشرف من طرف وزير التجارة والصناعة الفرنسي باسم الجمهورية الفرنسية بباريس يوم :31 /08/ 1919 .
2 ـ يُعيّن عضوا في أكاديمية البناء والفنون الجميلة بباريس بتاريخ 12/02/1920 من طرف وزير البناء والفنون الجميلة باسم الجمهورية الفرنسية .
3 ـ يُمنح بتاريخ 29/12/1930 نيشان الافتخار المطرّز من الصنف الرابع من باي تونس أحمد باشا باي صاحب المملكة التونسية ، بناء على اقتراح وزير خارجية المملكة حينذاك .ä
تصدّرت الريّادة " قمار" في هذا الفن
وللتدليل على مكانة هذا الفن في مدينة قمار نُورد هذا النصّ من موقع " واد سوف " الإلكتروني:
( ظهر هذا الفن بمدينة قمار بوادي سوف على يد بنّاء من المغرب الأقصى استدعاه الشيخ محمد العيد شيخ الطريقة التيجانية بعد استلامه المشيخة بزاوية تماسين عام (1260هـ1844م)، وذلك لبناء المسجد المجاور للزاوية. وقد قام هذا البناء المغربي بتعليم نخبة من أهل قمار فن النقش على الجبس، وقد برع منهم عمر قاقة الذي أصبح آية إعجاب فيما بعد حتى ذاع صيته في كامل أرجاء البلاد، وقد ساهم في نقش البريد المركزي في الجزائر العاصمة، كما قام بتعليم هذا الفن لبعض مساعديه، فبرز من تلامذته تيجاني قاقة الذي ساهم في نقش وزخرفة جلّ مساجد وادي سوف.
يمثل هذا الفن مجموعة من الزخارف المحفورة على الجبس، وتُستعمل فيها نماذج تختلف من حيث الوصف والمعنى، فنجد النقوش الهندسية، والتي أساسها الأشكال الهندسية المنتظمة المتداخلة والمتشابكة مع بعضها البعض.والنقوش النباتية والتي هي عناصر زخرفية مستمدة من الأوراق، والفروع، والأزهار ..وأخيرا النقوش الكتابية والتي تتألف من الخط الكوفي، أو النسخي، ويُستعمل النقش على الجبس لنقش مساحات السطوح، والجدران، والسقوف والقباب والأعمدة.)
فنٌّ يستمدّ قواعده من الطبيعة ومن علم الرياضيات
ولهذا الفن قواعد مستمدة من الطبيعة، والأعمال الزخرفية القديمة، ومنها التوازن، والتناظر، والتشعب من نقطة أو من خط، والتكرار، وكلها قواعد أساسية يقوم عليها التكوين الزخرفي.
القبّة والدّمْسة : كانت الوحدة الأساسية في المسكن السوفي هي الحُجْرة الصغيرة التي تدعى" الدار"، وكان أهل سوف عندما يريدون بناء الدار، يتمددون أرضا فيكون ذلك هو مقياسها عرضا وبأطوال مختلفة، أما ارتفاعها فيكون حسب طول قامة الشخص الواقف فلا يتجاوز أربعة أذرع في الغالب، أما سقفها فأُعد من جريد النخلة وأخشابها، ثم انتشرت القباب بشكل واسع خاصة في منتصف القرن التاسع عشر حتى سُميت وادي سوف بمدينة الألف قبة وقبة لاعتماد الناس في بناء بيوتهم على القبة التي أصبحت تشكل الطابع المعماري الخاص بوادي سوف.
ولهذا النوع من القباب مزايا مقصودة فرضته طبيعة المنطق، وذلك لأن شكل القبة يساعد على تبعثر أشعة الشمس المسلطة عليها، وتخفيف حدتها وعلى منع تراكم ما تأتي به الرياح من تراب فوقها. كما أن تجويف القبة داخل البيت يوفر مزيدا من الهواء ويُلطف درجة الحرارة فيها.
ولتوسيع الحجرات الصغيرة المشيدة من قبة واحدة، استُحدثت أقواس لإضافة قباب جديدة لغرض زيادة مساحة الدار، كما نُقلت إلى سوف طريقة جديدة لبناء الأسقف وهي"الأدماس" المستطيلة وقد ساهم الضباط الفرنسيون الذين حكموا سوف منذ 1883 في تطوير الهندسة المعمارية باعتمادهم طرقا تقنية متطوّرة ، واستعمالهم الخيوط، والمسامير لتدوير القباب ، والأقواس بدقّة.)
وإنصافا لهؤلاء لا تزال العديد من البناءات التي أنجزها هؤلاء صامدة وتؤدي وظائفها حاليا منها الشقق، والبناءات الإدارية والمدرسية ..من هذه الأخيرة مساكن لا تزال كما هيّ وحجرات مدرسية بمدارس أنشئت في بداية القرن العشرين، وفي أواخر القرن العشرين منها مدارس: أميهي بالحاج بمدينة الوادي ، ومدرسة كوينين المركزية ، ومدرسة الذكور بقمار وغيرها.ومقرّات إدارية كالمقرّ القديم لولاية الوادي، ومقرّ البلدية القديم وغيرها …
فنٌّ راقٍ ..عاد إليه المُوسرون
في أيّامنا هذه عاد الكثير من الناس المُوسرين، وحتّى متوسّطي الحال الذين يُنجزون مساكنهم الخاصّة في البلاد الجزائرية إلى استعمال مادة الجبس كمادّة تلبيس للجدران الداخلية للقصور والمنازل، لخصائصها التكييفية للمناخ أصلا، كونها مادة شُبْه عازلة في الشتاء، حيث تُبْقي على الدّفء الداخلي داخل المنزل ، وتمنع تسرّب الحرارة في فصْل الصيف ..وكمادة للديكور تُغطّي عيوب وأخطاء إنجاز البناء ، وتُضْفي عليه جماليات؛إذْ لا يكاد يخلو بيتٌ الآن قــيْد الإنجاز من وجود ديكورات جبسية في مختلف الغرف، والممرّات، والزوايا وغيرها، لأن الجماليات التي تُكسبها لأرجاء المنزل لا تُـقاوم من الكثيرين .
وأنواع الجبس المستخدمة في ديكورات المنازل نوعان :
ـ أوّلها.. قوالب مصبوبة جاهزة بتصاميم ثابتة متنوعة تُباع مثل الكلاسيكي، والهندسي، والمشجر وهي أقلُّ تكلفة، وينتشر استخدامها في الوحدات السكنية الصغيرة كالشقق السكنية، والفيلاّت الصغيرة، أو المتوسّطة..منها ما يكون في سقوف البيوت، ومنها ما يكون في الردهات والممرّات والمداخل .
ـ ثانيها.. هو الزخرفة (النقش) على الجبس وهذا أجملها على الإطلاق، ويكثر استخدامه في القصور، والفيلاّت السكنية الراقية، والمساجد.
منقول