عبد اللطيف هاجس الغامدي
الإهداء
اللهم يا من إذا توعد بالشر.. عفا!
وإذا وعد بالخير.. وفى!
ما في هذا الكتاب من حق وصواب، فيمن به كتاب والدي، وثقل به موازينه، وارفع به درجته، وأقل به عثرته.
اللهم يا نور السماوات والأرض نور ضريحه، وأفسح له في قبره.
واكتبه في عليين.
يا أرحم الراحمين!!
المقدمة
الحمد لله الذي جعل مع العسر يسرا، ولن يغلب عسر يسرين. والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه
حسرات فتيات..
كتبتها ببناني ودبجتها ببياني، لتعبر عن حال كثير من بنات المسلمين، القابعات في دور آبائهن، والمحصورات في بيوت أوليائهن، والمحرومات من أعظم حق لهن، لسان حالهن ومقالهن:
فهم منعونا ما نحن وأوقـدوا علينا وشبوا نـار ضرم تأجج
هذه
حسرات فتيات...
جراح تثعب حزنا وتنبض ألماً وتنزف دمعاً..
وآلام تحتاج إلى تأمل..
ومعاناة تستحق التمعن..
وداء لابد له من دواء..
هذه
حسرات فتيات..
رسالة من بنت لأبيها، تطلب حقها في الحياة، وترغب فيما أباحه لها الله.
والأجدر بكل غيور أن يسمع لها، ويحس بها، ويقف معها، ويشعر بمعاناتها؛ لندفع عنها السفاح بالنكاح المباح، فإن النفس إن لم تشغل بالطاعة شغلت بالمعصية، وإن لم تعصم بالمباح نزعت للحرام وأوقعت في الآثام.. وكان على العرض السلام!!
تقول هذه البنت:
والدي ******:
يا من أنت أغلى من نفسي التي بين جوانحي.. وأحب إلي من روحي التي تسري في جسدي وتمضي في جوارحي.. وأعز علي من قلبي الذي يخفق لك بين ضلوعي بحب بارح..
استمع- يا رعاك الله- إلى شكواي أبثها إليك، ومشكلتي أضعها بين يديك، لترمقها بمقلتيك..
شكوت وما الشكوى لمثلي عادة ولكن تفيض النفس عند امتلائها
ومن غيرك يسمعني؟! ومن سواك يفهمني؟!
ولعل في إيماني.. ما يغنيك عن إفصاحي!!
وفي كلامي.. ما يدلك على عمق جراحي!!
وإن كانت مشكلتي أعظم من أن أبوح بها وأكبر من أن أتحدث عنها.. فالحروف عن وصفها عاجزة والمعاني عن توضيحها قاصرة.. والحياء منك والتقدير لك والتعظيم لحقك يمنعني من كثير من القول ويثنيني عن وفير من الكلام.
إني سأسكب في مسمعك حديثاً يقطر حياء ويذوب خجلا.. تمازجه زفراتي وتخالطه عبراتي وتسابقه آهاتي.. أبعثه إليك من قعر ليل مظلم، كظلمة حياتي التي أعيشها فيه..
أقضي نهاري بالحديث وبالمنى ويجمعني والهم بالليل جامع
ألوك بذاكرتي أيامي الماضية، وأجتر صفحات حياتي السالفة، وأسمح لخيالي أن يبحر بي في عالم الأحلام والأماني، لأعيش حياة الخيال التي لم أعشها في أرض الواقع الذي ما له من دافع!!
وأتذكر تلك الأمنية الغالية التي ذبحت في مهدها ووئدت عند مولدها، والتي آملها وترجوها كل فتاة في مثل سني.
إنها أمنية الأماني!!
أمنية فارس الأحلام.. ويا لها من أمنية!!
فارس الأحلام الذي يجيئني متدثرا بلباس التقوى، متزيناً بوشاح الصلاح، مطيباً بسمعته الطيبة، محمولاً بذكره الحسن..
يأتيني لينقلني من صحراء الانتظار ومن قفار الاختيار، ليزرعني في حبة قلبه..
ويغمض علي بين جفونه ليحرسني بعيونه..
وليحميني بين أضلاعه من نوائب الدهر وأوجاعه.. وليغمرني بحنانه فيزرعني في حدائق عمره وجنانه. وليجمعني به في عش الزوجية، لأغدو فيه ملكة متوجة، لحياتها معنى ولعيشها هدف ولعمرها غاية!!
ولكن الأمل غدا ألماً، والشوق أصبح شقاء، والأحلام استحالت حرماناً، بعد أن عيل اصطباري لطول انتظاري لمن يشاطرني حياتي ويشاركني عمري ويقاسمني مستقبلي. ومضت أيام العمر وانطوت صفحات الحياة، وكنت أنت يا والدي- ويا للأسف- حجر عثرة عليه تبعثرت أحلامي وتصدعت آمالي، بطول صدك وجفاء ردك لمن جاء يطلب القرب ويرجو الوصال! بالمباح الحلال!!
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند
فاسمح لي يا والدي- سامحك الله- أن أشكو منك عليك إ!
يشجعني على ذلك سعة صدرك.. وطيب معشرك.. ولين جانبك.. ودماثة خلقك..
من يعمل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العُرْف بين الله والناس
ولن يعتريني شك في حرصك علي وإحسانك إلي وحبك لي وخوفك على مستقبلي، ولكن..
رب مريد للخير لا يدركه!!
وردت طالب للصلاح فلا يصيبه!!
وهذه الحسرات التي أسطرها إليك وأبعثها لك إنما هي نفثات مكلومات وزفرات مجروحات، انطلقت بصوتي لتعبر عن حال كثير من بنات جنسي..
فهي
حسرات فتيات...
في بيوت آبائهن محصورات.. ومن الزواج محرومات.. ومن السعادة ممنوعات..
لا يملكن إلا الدعوات.. والعبرات.. والآهات!!
فأصغ لحروفها السمع، وأرهف لمشاعرها الحس، وافتح لمعانيها ومعاناتها القلب، وأوسع لجرأتها الصدر.. ولك من الله المثوبة والأجر..
ثم مني جزيل الامتنان والشكر!!
صورة ذات معنى
والدي الغالي:
نضب زيت السعادة من مصباح حياتي..
وتبدل بذلك النور حالك الظلمات..
وانطفأت شموع أفراحي، وأوقد في القلب لهيب جراحي..
وتجرعت غصص الحسرة وحرقة العبرة عندما دعيت- مرارا وتكرارا- لحضور زواج رفيقات صباي وصديقات عمري..
تزف الواحدة منهن تلو الأخرى إلى جنتها المنتظرة وحياتها المستقرة، مع أن فيهن من هي أصغر مني سنا وأقل جمالا وأدنى كمالا وأسوأ حالا..
ولا أملك إلا أن أدعو لهن بالهناءة والصفاء، وأتمنى لهن عمرا سعيدا وعيشا رغيدا..
وأعود بعد ذلك لسجني الكبير- بيتك يا أبتي !!- حسيرة البال كسيرة الخاطر.
لأبث حزني وألمي لمخدتي التي طالما سمعت في صمت مرارة زفراتي، وابتلعت في أسى حرارة
عبراتي..
أشكو في خلسة وخفاء- دون أعين الرقباء- لمرآتي خفايا معاناتي وخبايا خلجاتي وأسرار حياتي ومكنون آهاتي!!
أدعو ربي من كل قلبي: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا..
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن تكن أمانيا
مهر أم قهر؟!
والدي الغالي:
أنا لست سلعة تشترى وبضاعة تثمن وعينا تقوم، فهي عرضة للمزايدة وفرصة للمكاثرة ومناسبة للمرابحة..
والمهر كرامة من الله الكريم سبحانه للمرأة وإعزاز لها وتعظيم لحقها ورفعة لشأنها وقدرها.
فماذا أصبح التقدير؟.. قيدا!!
والتكريم؟.. حاجزا منيعا وسدا!!
يحول دون الوصول إلى كل مأمول من أسباب السعادة، ويمنع من تحصيل الفرحة، ويقف بين الإنسان ومناه!!
فكم من صالح ناصح طرق الباب يلتمس الرضا!! فمضى بعد أن أثقلته الطلبات وأزعجته الرغبات وأعجزته الشروط..
فإن جادلك بحق وحاول معك بصدق، على أن تعفيه عن بعض ما طلبت وتسامحه شيئا قليلا فيما سألت..
قلت: وماذا أقول للناس؟!- ورضاهم غاية لن نصيبها إ!
وهل فلانة خير من ابنتي؟! أم تريدني أن أغبنها في نصيبها؟!
وهل في ابنتي ما يعيبها؟!
والدي الغالي:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: ألا لا تغالوا في صدقة النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا وتقوى عند الله، لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم.
فما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكح شيئا من نسائه ولا أنكح شيئا من بناته على أكثر من اثنتي عشرة أوقية.
وعن أبي سلمة رضي الله عنه، قال: سألت عائشة رضي الله عنها: كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: "كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونش ".
قالت: أتدري ما النش؟
قلت: لا.
قالت: نصف أوقية، فتلك خمسمائة درهم.
والدي الغالي:
أنا لا أريد رجلا ثريا، وإنما أتمناه مؤمنا تقيا يخاف الله ويخشى لقاءه..
إن أحبني أكرمني، وإن كرهني لم يظلمني!!
قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:32]