انه لما خر جسد
سليمان الى الأرض ، و كان
الجن قد عملوا له سنة كاملة ، دون علم بموته ، افتضح أمرهم عند الناس ، و انكشف
للجميع أنهم لا يعلمون الغيب ، اذ لو كانوا كذلك لما بقوا يعملون شيئا لا
يريدونه ، و لعلنا نستفيد من آخر الآية : " مالبثوا في العذاب المهين " ان
خضوع الانسان الى حاكم لا يرتضيه سواء كان الحاكم صالحا كسليمان ، أو طالحا
كفرعون ، أو حتى قيام الانسان
بعمل لا يقتنع به ، من أشد الأمور ايلاما و عذابا له ، أو ربما كان هؤلاء
الجن من العصاة فأراد
سليمان عذابهم بالأعمال الشاقة .
" ان
سليمان بن داود - عليهما السلام - قال ذات يوم لاصحابه : ان الله تعالى وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ، سخر لي الريح ، و الانس ، و
الجن ، و الطير ، و الوحوش ، و علمني منطق الطير ، و اتاني من كل شيء ، و مع
جميع ما أوتيت من الملك ما تم ليسرور يوم الى الليل ، وقد أحببت أن أدخل
قصري في غد ، فأصعد أعلاه و أنظر الى ممالكي ، و لا تأذنوا لأحد على ما
ينغص علي يومي ، قالوا : نعم ، فلما كان من الغد أخذ عصاه بيده ، و صعد إلى
أعلى موضع من قصره ، و وقف متكئا على عصاه ينظر الى ممالكه سرورا بما أعطي
، اذ نظر الى شاب حسن الوجه و اللباس قد خرج عليه من بعض زوايا قصره ،
فلما بصر بهسليمان (ع) قال له : من أدخلك الى هذا القصر ، و قد أردت أن
أخلو فيه اليوم فبإذن من دخلت ؟! قال الشاب : ادخلني هذا القصر ربه ، و
بإذنه دخلت ، قال : ربه احق به مني فمن أنت ؟ قال : انا ملك الموت ، قال :
وفيما جئت ؟ قال : جئت لاقبض روحك ، قال : امض لما أمرت به ، فهذا يوم
سروري ، و أبى الله عز وجل ان يكون لي سرور دون لقائه ، فقبض ملك الموت
روحه و هو متكئ على عصاه ، فبقى
سليمان متكئا على عصاه و هو ميت ما شاء الله ، و الناس ينظرون اليه وهم يقدرون انه حي ، فافتتنوا فيه ، و اختلفوا ، فمنهم من قال : ان
سليمان قد بقى متكئا على عصاه هذه الأيام الكثيرة ولم يتعب ولم ينم ، ولم يأكل ،
ولم يشرب ، انه لربنا الذي يجب علينا ان نعبده ، و قال قوم : ان
سليمان ساحر ، و انه يرينا انه وقف متكئ على عصاه ، يسحر أعيننا و ليس كذلك ، فقال المؤمنون : ان
سليمان هو عبد الله ونبيه ، يدبر الله أمره بما يشاء ، فلما اختلفوا بعث الله عز
وجل دابة الأرض ، فدبت في عصاه ، فلما أكلت جوفها انكسرت العصا ، و خر
سليمان من قصره على وجهه